الجمعة، 26 أغسطس 2011

بشار و الضغط المتصاعد



لاشك أن الضغط الذي مارسه  المجتمع الدولي و الدول العربية  على النظام السوري الاسبوع الماضي هو مقدمة لضغوط متزايدة باطراد، و هو سوف يتتوج قريبا بقرار من مجلس الامن الدولي مقراً أن النظام السوري ارتكب جرائم ضد الإنسانية ومحيلاً قادته إلى المحكمة الجنائية الدولية، و هكذا ينتهي باسقاط النظام.  هذه التطورات تشير إلى أن بشار يفتقر تماما للواقعية  و المرونة  و الحنكة .

على الرغم من أنني لم أكن أتفق مع الطريقة التي حكم حافظ الأسد بها سوريا ، وجدت أن غريزة البقاء التي كانت عنده شيء أفضل من تلك التي يمتلكها ابنه. فغريزة البقاء هذه لا يمكن لأحد أن يمتلكها من دون إقتناء نوع من  الواقعية  و  المرونة  و الحنكة.  عندما كان صلاح جديد يثير غضب اسرائيل باطلاق قذائف المدفعية من هضبة الجولان على وادي الجليل  -و  كان هذا أحد أسباب حرب 7196  - فهم حافظ الأسد أن هذه الاستراتيجية خطرة، فتوقف حافظ الأسد عن هذه الأفعال غير المجدية. كذلك عندما وضعت تركيا أكثرمن 30000 جندي على الحدود السورية في عام 1998، حافظ الأسد لم يذعر و لم يحرك ساكناً، و لكنه فهم انه ينبغي تسليم أوجلان. كما يمكن أن يستشف من هذه الأمثلة فإن حافظ الأسد كان لديه شئ من الواقعية و المرونة و الحنكة.

من ناحية أخرى ، أبدى حافظ الأسد رؤية قاصرة لسوريا، فقد استخدم سورية كوسيلة  لطموحاته الشخصية، أراد لسورية أن تكون قوة إقليمية و لكن  هذا الهدف لم يكن من أجل سوريا وشعبها بل من أجل مجده الباطل، و في الواقع  انه قيد الحريات الشخصية و دمر الاقتصاد والتماسك الاجتماعي السوريين من أجل توطيد سلطته في الداخل وتحقيق الصورة التي وضعها لنفسه على الصعيد الخارجي وهو لم يدرك أن أية قوة إقليمية أو عالمية لايمكن أن تكون حقيقية أو أن تستمر لوقت طويل ما لم تستمد عمقها الإستراتيجي من ابداع أفرادها و تماسك مجتمعها و متانة إقتصادها.

غني عن القول أن بشار لا يفتقر فقط للرؤية ولكن أيضا لكل الصفات المطلوبة للبقاء، إذ إنه ليس لديه أي إدراك للواقع ،فهو لا يعرف نقاط قوته و نقاط ضعفه، و هو لا يعرف ما يثير غضب الآخرين، لذلك فهو لا يفهم ما يمكن و ما لا يمكن عمله، هكذا فهو لم يفهم أن قوته كانت في الصورة التي حاول أن يضفيها على نفسه كرجل متعلم في وقت مبكر من رئاسته، بدلاً من ذلك تحول إلى حاكم لا يرحم، يضطهد خصومه السياسيين ويقتل شعبه الذي ثار طالباً الكرامة والحرية. هكذا أيضاً لم يعلم أن قتل المتظاهرين العزل سيجلب عليه سخط المجتمع الدولي و لم يعلم ان قتل الناس في شهر رمضان سوف يسحب عنه الغطاء الذي أمنته له الحكومات العربية حتى الآن. بالإضافة لذلك  فإن بشار لا يمتلك أي مرونة تذكر، بمجرد ان يتخذ خط عمل معين، فهو غير قادر على التغيير أو التراجع في اللحظة المناسبة، خطابه هو نفسه دائما، فإذا لم  يستجيب الناس لكلماته ، فإن هذا يعني بالنسبة له أنهم هم الذين لا يفهمون، وليست كلماته هي  الغير مفهومة. هكذا عندما قرر النظام أن يعطي الشعب السوري درساً عبر حصار درعا و تجويع أهلها، فإن الشعب السوري لم يركع،  بدلاً من تغيير هذه السياسة الفاشلة، واصل بشار القصف والاستيلاء على المزيد من المدن. عندما وصف المتظاهرين  بالمتسللين في اول خطاب له، سخر الشعب السوري من هذا الوصف، بدلاً من تغيير تلك اللغة المثيرة للاشمئزاز، انتهى بشار في خطابه الثالث بوصف السوريين بالجراثيم.

في الواقع  و لجميع الأسباب المذكورة أعلاه فإنني أقول أن بشار يفتقر إلى الحنكة والذكاء الاجتماعي، و بعبارة أخرى انه لا يفهم علامات الأزمنة، لهذا فإنه يفسر بشكل خاطئ معاني الرسائل الصريحة والضمنية التي يتلقي وأهمية الأحداث التاريخية التي يختبر، مما جعله فاقداً تماماً -على عكس والده- لغريزة البقاء و مؤدياً به إلى الفشل التام على الصعيدين السياسي والشخصي، واضعاَ ليس فقط رئاسته في خطر بل أيضاً مستقبله كرجل حر ومستقبل أولاده الذين لا يستحقوا أن يدعوا بأولاد المجرم.