لا شك أن الأزمة السورية وصلت إلى مفترقٍ خطير، و أصبح التدخل الدولي لأسباب إنسانية حاجة ماسة لأن لا حلَّ من دونه، و المهم أيضاً أنه إبتدأ يتشكل نوع من الإجماع حول ضرورة هذا التدخل بالأخص على الصعيدين العربي و الدولي -و إن بدرجات و رؤىً مختلفة- و بشكلٍ أساسي بعد فشل المبادرة العربية و تعنت النظام السوري الرافض حتى لدخول المراقبين.
و السؤالان المهمان اللذان يطرحان نفسيهما الآن هما: أولاً "ما هي طبيعة التدخل الخارجي الذي سيؤدي لحل القضية السورية بأقل الخسائر البشرية و المادية الممكنة و الذي سيؤدي لإستقرار الوضع في سوريا بأقصى سرعة ممكنة؟" و ثانياً "هل ستلقى هذه الصيغة قبولاً دولياً و خصوصاً من الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن؟". و الحال أن الجواب على السؤال الأول لن يكون سهلاً إذ إن له جوانب تقنية وقانونية و أخلاقية و سياسية عدة، و لا أظن أن أحداً يمتلك جواباً شافياً له في الوقت الحالي. ثمّ إن هناك ترابطاً وثيقاً بين إيجاد الصيغة الفضلى للتدخل و الإجماع الدولي عليه . فبدون الوصول إلى صيغة تراعي جوانبه المتعددة و بالأخص السياسية منها سيكون من الصعب الحصول على الإجماع الدولي و بالتالي تمرير أي قرار عبر مجلس الأمن بهذا الخصوص.
فمن الناحية التقنية هناك أسئلة كثيرة يجب الإجابة عليها، ليس أقلها صعوبة الوجود العسكري الروسي في سوريا، فإذا كان الروس يستطيعون سحب خبرائهم إذا أرادوا- مع أنه لن يكون بالموضوع السهل جداً -فماذا يفعلون بقاعدتهم البحرية في طرطوس؟ هل يمكن إيجاد طريقة للتدخل الخارجي في سوريا بشكل يتلاءم مع وجود هذه القاعدة و من دون المساس بها؟ و ماذا عن الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها النظام هل سيستخدمها إذا ما إنضغط كثيراً؟ هل سيعطي بعضاً منها إلى أعوانه كحزب الله؟ هل يستطيع الروس ضمان عدم حصول هذا؟ موضوع آخر مهم هو موضوع اللاجئين فأي تدخل سيزيد من تدفق اللاجئين إلى الدول المجاورة، فهل ستستطيع هذه الدول إستقبالهم؟ و كيف سيتم تأمين الأمور اللوجستية لهم؟
أما من الناحيتين الأخلاقية و القانونية فما زال هناك تباين في أراء الخبراء و خلافات بين الدول في الشرق و الغرب حول شرعية التدخل في شؤون دولة أخرى لدواعٍ إنسانية في حال عدم قبول سلطة تلك الدولة بهذا التدخل- حتى لو كانت هذه السلطة عاملاً مسبباً للأزمات و لإستمرارها. فبينما ينظر الغربيون على أن السلطة تفقد شرعيتها من اللحظة التي لم تعد فيه قادرة على تأمين الأمان لشعبها و بالتالي عليها الرحيل، فكيف إذا كانت هي السبب في فقدان هذا الأمان، يرى الشرقيون أن المشكلة بين السلطة و الشعب هي أمر داخلي بكل بلد و يجب على المساعي الحميدة عدم توفير أي جهدٍ للمصالحة بين الطرفين، بالإضافة لذلك يرى هؤلاء الأخيرون أن إستخدام القوة يعقّد الموضوع أكثر مما يحله، و إذا أستخدمت هذه القوة فينبغي عدم الإفراط بها إذ إن هذا الإفراط سيؤدي لمزيدٍ من الخسائر البشرية و المادية. فهل يا ترى يمكن المقاربة بين الموقفين في الموضوع السوري و إيجاد حلٍ يأخذ بعين الإعتبار هذه التيارات و الحساسيات المختلفة و خصوصاً إذا كانت تتباناها الدول الأعضاء في مجلس الأمن و بالتحديد الدائمة منها؟ فوق ذلك فإن كل طرف ينظر بعين الشك إلى حجة الطرف الآخر فبينما يرى الشرقيون أن ميل الغربيين للتدخل هو بالحقيقة ليس لدوافع إنسانية و لغيرتهم على الشعوب المتألمة بل لرغبتهم بالسيطرة و فرض قيمهم الأخلاقية على المجتمعات الأخرى و تغيير الأنظمة على هواهم، يرى الغربيون أن الشرقيين يحاولون المحافظة على مصالحهم الإقتصادية و الإستراتيجية عبر محافظتهم على الوضع الراهن غير آبهين بمصائر الشعوب و تطلعاتها. فهل يا ترى هذه الشكوك محقةو بالأخص فيما يتعلق بالأطراف المعنية بالقضية السورية، و إن لم تكن كذلك فهل من الممكن إزالة هذه الظنون الواهية و الريبة التي لا أساس لها؟
أما فيما يتعلق بالناحية السياسية فإن سوريا كانت و مازالت مسرح صراعٍ دولي كبير و ذلك لأسباب إجتماعية و ثقافية و إقتصادية و جيوسياسة متنوعة. و الحال أن هذا يجب ألا يكون مدعاة للخوف أو الإشمئزاز بل مدعاة للفخر لنا نحن السوريين، و لكن و قبل كل ذلك يجب أن يدعونا للصحوة لكي نستغله لصالحنا،لا لنصبح مطية لجشع الآخرين. فهل يمكن إيجاد حلٍ للقضية السورية يراعي مختلف المصالح و الحساسيات الدولية و قبل كل ذلك يحقق مصالح الشعب السوري من حيث رغبته بالحرية و أيضاً أمنيته بإبعاد شبح الدمار الآني عن بلاده و السيطرة البعيدة المدى على مقدراته؟ بالإضافة لذلك هناك اللاعبون الإقليميون الذين لن يقبلوا برحيل حليفهم بسهولة، فهل هناك من طريقة لضبط ردّ فعل هؤلاء؟
لا شك أن للشرق و الغرب مواقف متباينة حيال العديد من القضايا التي طرحناها آنفاً. و الحال أن تردد الموقف الروسي حيال التدخل الخارجي في سوريا لم يعد كما كان ناجماً عن إعتقاد روسيا بإمكانية إصلاح النظام و إنقاظه، بل عن خوفها من أن أي حل مبنيٍ على أساس التدخل الغربي قد لا يوافق رؤاها و مصالحها في واحدةٍ و أكثر من المسائل المذكورة أعلاه. و لكن قد يتساءل بعضنا "هل نحن إذاً عالقون في معضلة تدعو لليأس؟" و الجواب سيكون "لا، إذا ما وجدنا الشخص المناسب"، فالمتمرسون بأمور السياسة الخارجية يعرفون أنه من الممكن تصميم -أو بالأحرى تفصيل -حلٍ مناسب لكل قضية يرضي على نحوٍ معقول كل الأطراف المعنية، و لكن ما نحتاجه أولاً و قبل كل شئ هو المهندس الذكي الذي بإمكانه إبداع هذا التصميم و تقديمه بطريقةٍ مقبولةٍ للجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق