الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

باكورة الإنجازات الدبلوماسية


بالرغم من أن الدول العربية لم تصوت لصالح تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، فإن اجتماع الجامعة الذي جرى الأحد الماضي شكل إنجازاً  دبلوماسياً مهماً للثورة السورية بشكل عام و  للمجلس الوطني السوري بشكل خاص، إذ إن البيان الختامي وضع النظام في زاوية يصعب عليه الخروج منها دون تنازلات مرّة، و أعطت المجلس الوطني السوري فرصة للمناورة الدبلوماسية.

 لم يكن أكثر المحللين تفاؤلا و لا الدول التي سعت لعقد الإجتماع تتوقع أن ينجح التصويت على تعليق عضوية النظام السوري في الجامعة العربية، و هذا ما باح به أمين الجامعة عينه حتى  قبل انعقاد الإجتماع. فالحقيقة أن إقرار مثل هذا التعليق يتطلب موافقة كل أعضاء الجامعة عليه، و كان من البديهي التفكير أن هناك دولاً عربية لن توافق على مثل هذا التعليق، إذ إن بعضها يخاف من أن  يعاني من نفس مصير النظام السوري كاليمن الذي يعاني من أزمة مشابهة  للأزمة  السورية  و الجزائر التي تخشى من مثل هذه الأزمة ،  و بعضها  الآخر جيرانه الذين يخافون من غضب جارهم القوي إذا تحركوا ضده أو من آثار سقوطه إذا هو انهار كلبنان و العراق.

لهذا فإن مجرد حدوث اجتماع استثنائي للجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية لبحث الأوضاع  في سوريا  كان انجازاً مهماً للمجلس الوطني السوري،  فهذا الإجتماع الطارئ تمّ بناء على دعوة من مجلس التعاون الخليجي بعد جهود دبلوماسية دؤوبة قام بها المجلس الوطني السوري . هكذا شكل هذا الإجتماع باكورة النجاحات الدبلوماسية  لهذا المجلس الوليد الذي لم يمضي على تأسيسه أكثر من أسبوعين معلناً أنه بشير لإنجازات عديدة آتية.

 أما تجاوب دول الخليج مع هذه المبادرة فهو قبل كل شئ يعبّر عن تململ هذه الدول من نظامٍ قاسٍ عنيد لا يدرك و لا يفهم، حاولت أن تُفّهمه بالكلام و النصح فلم يفهم، ثم حاولت أن  تُعبّر له عن امتعاضها منه بأفعال رمزية كسحب سفرائها من عنده فلم يعتبر. هكذا لم تجد بُدّاً من  تشجيع معارضة كانت حتى الآن ضائعة في متاهة الإنقسامات و الإنشقاقات، ثم اجتمعت معظم فصائلها تحت لواء المجلس الوطني السوري. هذا المجلس الذي ابتدأ ينظم صفوفه و يرتب أعماله و يقوم بمبادراته التي فيها شئ من الذكاء و الجسارة و أيضاً اكتسب قاعدة شعبية واسعة. هكذا رأت فيه دول الخليج  مفاوضاً و معيناً في آنٍ معاً لنظامٍ لم يعد قادراً على الخروج من الأزمة لوحده، أو لربما أرادت أن  يراه هذا النظام كتهديداً فيختشي و يتعظ، أو رغبت أن تقدمه كبديلاً لنظام لم يعد استمراره يعني إلا الخراب و الدمار. كل هذا إن عنى شيئاً فهو يعني أن اعتراف دول الخليج الرسمي بهذا المجلس ككمثل للمعارضة و الثورة السوريتين أصبح و شيكاً خصوصاً بعد ترحيب العديد من فعاليتها و مسؤوليها به.

و على نحوٍ شبيه جاء البيان الختامي داعياً النظام إلى التفاوض مع معارضيه في الداخل و الخارج  فوضع النظام بتناقض مع الدول العربية، فالنظام لا يعترف أصلاً بوجود معارضة في الخارج، و هو إذا اعترف بوجودها يعتبرها عميلة و عدوة. بالإضافة لذلك فإن هذه الدعوة تشكل بينة غير مباشرة على أن الدول العربية تنظر إلى المجلس الوطني السوري على أنه  الفصيل الأساس في المعارضة السورية أو لربما هو الممثل لهذه المعارضة، إذ إنها بتأكيدها على ضرورة إشراك معارضة الخارج في الحوار أعطته دور الطليعة في التفاوض مع النظام فهو الوحيد الذي له وجوداً قوياً في الداخل و الخارج، و هذا نقيض ما أراده النظام الذي ينظر إلى هذا المجلس على أنه غريمه الأول، و لهذا عمل جاهداً على  صنع معارضة في الداخل على مقاسه  ليتحاور معها أو بالأحرى ليتآمر معها على الشعب..

و فوق كل هذا فلقد تمت صياغة البيان الختامي لإجتماع الجامعة العربية على شكل قرار تضمن متطلبات محددة ومهل لتنفيذ هذه المتطلبات و مراقبين على هذا التنفيذ، ومن بين هذه المتطلبات و المهل و المراقبين أن يتضمن وفد المعارضة معارضين من الداخل و الخارج و أن تجري المفاوضات بين النظام و المعارضة  في مقر الجامعة العربية و برعايتها، و أيضاً وضع مهلة ١٥ يوم للتنفيذ، و أخيراً سمى قطر كمراقب على تنفيذ الدعوة.  فكل هذا هو جرعة صعبة البلع على نظام شديد الحساسية على سيادته.  فهذا النظام يعتبر أن كل المواطنين السوريين جزءاً من ملكيته، فكيف لعبيد أن يجلسوا على طاولة واحدة مع السيد ليفاوضوه، فالعبيد عليهم فقط أن يسمعوا و يطيعوا، و أما هؤلاء الذين يدعوهم عملاء و خونة فعليهم أولاً أن يعلنوا توبتهم قبل أن يقبل بأن يرضى عنهم السيد و يسمح لهم بدخول بيت الطاعة.  أما بالنسبة للمهل و المراقبين فالسيد لا يتعرف عليها أبداً إذ إنها ليست من قاموس كلماته.  لهذا لم يكن مستغرباً أن يعلن السفير السوري لدى الجامعة العربية يوسف أحمد رفض سورية للبيان جملة وتفصيلا و أن يعتبره عملاً عدائيا وغير بناء في التعامل مع الأزمة السورية.

إن كل هذا شكل فرصة للمجلس الوطني السوري ليلعب لعبة سياسية حاذقة، فعبر بلسان مسؤول العلاقات الخارجية فيه عن ترحيبه بهذه المبادرة و بأي مبادرة تساعد على وقف حمام الدم جاعلاً النظام يبدو أرعناً متصلفاً قاسياً غير آبه بحياة السوريين، و بهذا فهو سيضع كل اللوم على النظام عازلاَ إياه أكثر فأكثر عن محيطه العربي، و دافعاً الدول العربية لإزالة أي غطاء عنه، و مبيناً لحلفائه العالميين الذين يراهنون على حواره مع المعارضة لإطالة عمره بأن رهانهم خاسر، و أخيراً معطياً الذريعة للدول العالمية التي تريد التربص به لفرض عقوبات أشد عليه و ربما استصدار قرارٍ عالمي ضده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق