الجمعة، 30 ديسمبر 2011

لا أعرف لماذا كل هذا التشاؤم؟



كلما أتت سيرة لجنة المراقبين على لسان أي من أنصار الثورة السورية، فإذ بكلامه مملوء بالتشاؤم منتقداً الجامعة و المراقبين و رئيسهم، و في كل مرة أسمع هذا أتسأل لماذا كل هذا التشاؤم؟

من اللحظة التي أراد المجلس الوطني السوري اللجوء إلى جامعة الدول العربية لمساعدته على إيجاد حلٍ للقضية السورية فإنه قبل بأن يكون المسار الدبلوماسي واحد من مسارات الحل لهذه القضية. فجامعة الدول العربية ليست هيئة حقوقية مهتمة بحقوق الإنسان، و لا هي منظمة غير حكومية تهدف للدفاع عن قيم معينة، بل هي هيئة دبلوماسية بإمتياز، أعضاؤها دول متعددة، و آليات عملها محكومة بقوانين و أعراف تضبط العلاقات بين هذه الدول.

و الحال، إن العملية الدبلوماسية هي لعبة لها قواعدها ولاعبيها و أشوطها. أما القواعد فهي القوانين الدولية الناظمة التي تحكم بين الدول و لكنها أيضاً الأعراف و التقاليد الغير مكتوبة المتعارف عليها و التي تراكمت مع الزمن. و أما اللاعبون فهم يختلفون في قوتهم، ففعاليتهم و قدرتهم تعتمد على عوامل متعددة منها الإمكانيات السياسية و الإقتصادية للبلدان أو الهيئات التي يمثلون و قوة علاقاتهم الشخصية و أيضاً قدرتهم على فهم العملية الدبلوماسية ذاتها و أخيراً قدرتهم على القراءة الصحيحة لحوادث التاريخ. أما الأشواط فتختلف من لعبة للعبة، و العوامل التي تقررها هي طبيعة القضية التي يتم التعامل معها و كيفية تطور مجريات هذه القضية و أيضاً ذكاء و إبداع اللاعبين المشاركين فيها. إذاً إنطلاقاً من هذا المنظور فأين تقف الجامعة العربية من القضية السورية؟

شكل تدخل الجامعة العربية في الأمر السوري حدثاً إستثنائياً، فالجامعة العربية أنشأت من أجل "توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها"، و ليس من أجل حل المشاكل الداخلية لأي بلد من أعضائها. و لكن هذا لا يعني أن غاية الجامعة لا يمكن أن تتكيف و تتأقلم مع ظروفٍ عربيةٍ جديدة كالربيع العربي. هكذا جاء التدخل العربي في الأزمة الداخلية الليبية سابقة من الناحية المبدئية، و لكنه كان سهلاً من الناحية العملية لوجود إجماع عربي و عالمي نحوه. ثم أتى التدخل في القضية السورية ليشكل حدثاً إستثنائياً إذ إن الجامعة العربية ليس لها باع طويل في حل الأزمات الداخلية العربية و القضية السورية شديدة التعقيد. لهذا فإن أي نظرة إلى هذا التدخل تهمل إستثنائيته و جراءته هي نظرة قاصرة ليس فيها تقديرٌ حقيقي لواقع الأمر.

أما بالنسبة للاعبين، فبرزت قطر كلاعب أساسي في هذا التدخل، ليس فقط لكونها ترأس الجامعة العربية في دورتها الحالية، بل أيضاً لكونها تمسك تقريباً بكل خيوط اللعبة. فمع غياب الدور المصري و تشتت قوى الدول المغاربية، بقيت الكتلة الخليجة هي الوحيدة في الساحة و هي المتوحدة بشكل لم تكن عليه من قبل تحت درع سعودية و رأس حربة قطرية. هكذا أخذت قطر بشخص وزير خارجيتها حمد بن جاسم دور القيادة في القضية السورية. كيف لا و هو المدعوم من دول الخليج كافة و الذي له علاقات شخصية و دبلوماسية متعددة الجوانب بدأً بأمين عام الجامعة العربية و بدول عربيةٍ عدةٍ و إنتهاءً بالعديد من عواصم القرار العالمي و شخصياته.

لهذا لم يأتي تعيين محمد أحمد مصطفى الدابي كرئيس لبعثة مراقبي جامعة الدول العربية إلى سوريا كمفاجأة كبرى للمهتمين بأمور السياسة العربية و الدولية. فهو كان سفير السودان في قطر بين عامي 2000 -2004 ، و هو كان لاعباً مهماً في إتفاق الدوحة الذي وقعته السودان مع بعض فصائل المتمردين في دارفور عام 2001  و كان برعاية قطرية . كما لعب الدابي دوراً في التوصل إلى إتفاقية أبوجا بين الحكومة  السودانية و فصائل دارفورية عام 2005 ، ثمَّ عين مفوضاً للجنة وقف إطلاق النارالتي إنبثقت عن هذه الإتفاقية. هكذا أقام علاقة جيدة مع الإدارة القطرية و بنى لنفسه سمعة جيدة كخبير ديبلوماسي و عسكري في النزعات الداخلية عندها.

و لكن تعيين الدابي على رأس لجنة مراقبي جامعة الدول العربية إلى سوريا شكل موضوع إمتعاض من قبل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان و النشطاء الحقوقيين. فهو كان مدير جهاز الإختبارات السودانية بعد تسلم البشير الحكم في عام 1989 ، و في عهده حصلت إنتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان و تضمنت "التوقيف و الإحتجاز التعسفيين و الإخفاء الإجباري و التعذيب" بحسب منظمة العفو الدولية. كما أنه كان ممثلاً للرئيس البشير في دارفور أثناء الحرب التي وقعت في هذا الإقليم، و وجهت له تهمة جرائم حرب عام 2005 لدوره فيها، و لكنها أسقطت عنه فيما بعد لعدم توافر الأدلة. كل هذا جعل إختياره كرئيس للجنة معنية بقضية صلبها إنتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان إختياراً غير موفق على الأقل من الناحية المعنوية و الشكلية. لهذا قالت منظمة العفو الدولية إن «قرار الجامعة العربية تكليف فريق بالجيش السوداني - ارتكبت في عهده انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان بالسودان - برئاسة بعثة المراقبين، يقوض جهود الجامعة حتى الآن، ويضع مصداقية البعثة محل شك بالغ». ولكن لا يبدو أن صانعي القرار في السياسات العربية يعيرون هذا الموضوع إنتباهاً و لا هم حساسون لإشكالياته و التي طبعاً قد تكون معنوية فقط.

و لكن الأهم من هذا، إن تعيين الدابي أثار مخاوف أطرافٍ عديدة في المعارضة السورية. لهذا سارع عبد الكريم الريحاوي رئيس الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الانسان إلى القول "إنه لن يكون محايداً و أنه سيتعاطف مع من يماثلونه فى موقفه القانونى!! لذلك لن يكون مستغرباً أن يؤيد أو يتعاطف مع النظام السورى و أتباعه الذين يرتكبون جرائم ضد الانسانيةعلى مدار الساعة فى سوريا". مخاوف مشابهة عبر لي عنها صديقي رضوان زيادة أثناء أحد أحاديثي معه. و لكن ما فاقم من مخاوف المعارضة قول رئيس البعثة بعد زيارته الأولى لحمص «كانت هناك مناطق الحالة فيها تعبانة، لكن أعضاء الوفد لم يروا شيئاً مخيفاً» و أضاف أن فريقه «لم ير دبابات بل بعض المدرعات». هكذا سارع المعارض السوري سعيد سلام رئيس المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية إلى إستنكار تصريحات رئيس بعثة مراقبي الجامعة العربية، و إعتبر أن الجامعة العربية - حتى الآن - "لم ترتق إلى الحس بالمسؤولية تجاه ما يحدث للسوريين ،كما أنها تقف موقفاً عاجزاً ولا تريد الاعتراف بعجزها".

و الحال، إنني لا أشاطر المعارضة نظرتها المتشائمة لعمل بعثة المراقبين. إذ إن تشكيل مثل هذه اللجان عادة هو عملية شكلية إجرائية. بمعنىً آخر عادة ما يكتب مضمون تقرير هذه اللجان قبل تشكيلها، و تشكيل مثل هذه اللجان هو فقط لتبرير التقرير الذي كان قد كُتب و توثيق حيثياته و أيضاً لوضع اللمسات الأخيرة عليه. هذا ما حصل عندما قررت عصبة الأمم فصل إسكندرونة عن سوريا و عندما قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، القرارات في كلتا الحالتين كانت قد أتخذت قبل بعث اللجان. لذلك إن ما قررته القوى الفاعلة فيما يتعلق بنتيجة المبادرة العربية كان قد أتخذ. أنا شخصياً أظنه سيكون لصالح الثورة. بالإضافة لهذا فإن النظام السوري غبي جداً، فهو قد إنخدع بالكلام الذي إعتبره مطمئناً من قبل رئيس اللجنة، مع أن هذا الكلام لا يدل على الإطلاق لا عن أرائه الحقيقية  و لا عن طبيعة ما وجدته لجنته، إذ إن كلامه المعتدل اللهجة لا يعدو كونه كلاماً ديبلوماسياً و يأتي في سياق الأعراف المتبعة في هذه الأحوال. و هذا ما أوضحته الجامعة العربية بلسان رئيس غرفة العمليات الخاصة بعمل بعثة مراقبي الجامعة العربية الى سوريا السفير عدنان الخضير عندما قال أن تصريحات رئيس بعثة مراقبي الجامعة العربية الفريق أول محمد الدابي حول "إطمئنان الوضع في سوريا" كان يقصد فيها "التزام الحكومة السورية تجاه البعثة وليس ما يجري على الارض". و لكن بسبب إنخداعه هذا ترك النظام مصفحاته ظاهرة للعيان و شبيحته غير خافية على الأبصار و قناصته تمارس هوايتها بالقتل في وضح النهار.

إذاً إلى أين يقودنا كل هذا؟ أو بكلام آخر في أي شوط من أشواط اللعبة الديبلوماسية هذه نحن؟ و الحق، إننا في الشوط الأخير من أشواط اللعبة هذه، فتقرير لجنة المراقبين الذي سيصدر الأسبوع القادم سيأتي على النحو التالي:
لم توقف الحكومة السورية أعمال العنف في المدن و الأحياء السكنية لأن هذا ما تعرضت له اللجنة نفسها أثناء زيارتها لبابا عمرو، و لم تتوقف أجهزة الأمن السورية و الشبيحة عن التعرض للمظاهرات السلمية لأن هذا ما رأته اللجنة بأم أعينها، و لم يتم الإفراج عن كل المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة إذ لم تفرج الحكومة السورية إلا عن 750 معتقلاً بينما عددهم الكلي بعشرات الآلاف، و لم يتم سحب وإخلاء جميع المظاهر المسلحة من المدن والأماكن السكنية التي شهدت أو تشهد المظاهرات وحركات الاحتجاج إذ إن مصفحات النظام مازالت على بينة من مرأى العين كما عاينت اللجنة عينها، و أخيراً و ليس آخراً لم تقم الحكومة السورية بمنح رخص الاعتماد لوسائل الإعلام العربية والدولية والتحقق من فتح المجال أمامها للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا وعدم التعرض لها إذ لم تسمح الحكومة السورية للصحافيين بمرافقة اللجنة. و بعدئذٍ ستحول جامعة الدول العربية الملف السوري إلى مجلس الأمن لتحرج به الذين مازالوا يعولون على إصلاح النظام -أعني بالتحديد المسؤولين الروس-  و تضعهم أمام الأمر الواقع، إذ إنهم فاقدي البصيرة غيرقادرين على رؤية ما هو واضح و جلّي، و عندئذٍ سيحدث ما ليس منه بد.

لهذا أقول لأعزائي في المعارضة السورية و بالأخص لأصدقائي في المجلس الوطني السوري: العملية الديبلوماسية هي كمثل لعبة بوكر فيها الكثير من المفاجآت، و لاعبوها يتلذذون بلعبها إذا أتقنوها و لم يتأثروا بتقلباتها الدرامية، و لكنهم إذا تأثروا بها فإنهم يتمرمرون مع كل منعطف من منعطفاتها. أو بكلام آخر العملية الديبلوماسية هي كمثل مسرحية درامية متعددة الحبكات ،  تحتبس أنفاسنا مع كل حبكة من حبكاتها إذا لم نكن من كاتبيها و مخرجيها.

الأحد، 11 ديسمبر 2011

أما آن للأمين العام للأمم المتحدة أن يسمي مبعوثه الخاص بالقضية السورية


الأوضاع في الداخل السوري تميل نحو المزيد من التدهور، فهناك البلبلة المتصاعدة بإضطراد بسبب الإتهامات و الإتهامات المضادة و الفبركات و الفبركات المضادة، و هناك الحالة الأمنية المتدهورة بإستمرار بسبب الإزدياد اليومي في عدد الضحايا و الفوضى المسلحة و الصراع الطائفي في حمص. في ظل كل هذا باءت جهود الجامعة العربية بالفشل و وصلت العلاقة بينها و بين النظام إلى حد القطيعة. و فوق كل ذلك تبدو الجهود الدولية مشلولةً بسبب إختلافات الرؤية لكيفية التعامل مع الملف السوري. هكذا تبدو صورة الوضع قاتمة داكنة و تبدو الجهود الدبلوماسية راكنة ساكنة، و لهذا يتساءل السوريون أين هو المخرج من هذا المأزق؟  و لكني أرى بصيص أملٍ في واحدة من الفقرات التي تضمنها مشروع القرار الذي قدمه  الأوربيون  لمجلس الأمن في الخامس من شهر تشرين الأول و لم يمر بسبب النقض الروسي. و في هذه الفقرة طالب مشروع القرار المجهض الأمين العام بتعيين مبعوثه الخاص بالقضية السورية. فكيف يمكن لهذا المبعوث أن يدفع القضية بالسورية إلى الأمام؟

هناك مرجعيات و هيئات و أطراف كثيرة تعمل على الملف السوري فمن ينسق بينها لتأتي بنتائجها الفضلى و لتصل إلى غايتها الأساسية و التي هي فك كربة الشعب السوري بأقصى سرعة. إذ لا يمكننا إنتظار قرارات جزئية تأتي من هذه الهيئة أو تلك، فها قد أدانت الأمم المتحدة النظام و فرضت الجامعة العربية عليه العقوبات، كل هذا حسنٌ و لكن هل سيوقف حمامَ الدم قريباً؟  و لا يمكننا أن ننتظر مبادرات فردية تأتي من هذه الدولة أو تلك و من ثمّ لنرى ردود الفعل عليها أو لنكتشف أنها ناقصةً لم تأخذ كل أبعاد القضية بعين الإعتبار، فها قد أتت مبادرة فرنسية، و لكن لم نسمع من الدول الأخرى أي شئ حولها، فهل يا ترى هم يدرسونها؟ و لا يمكننا أن ننتظر تصريحات  تأتي من هذه الجهة  و تصريحات مضادة تأتي من تلك، فبعد أن تحدث وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه عن فكرة الممرات الآمنة، جاءت منسقة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة -فاليري آموس- لتقول أنها لا ترى مبرراً لذلك، فهل لهم أن يرحموننا و يتفقون على رأي؟ لهذا عينه نحن بحاجة لشخصٍ  ينسق بين كل هذه الجهات و الأطراف ليدفع بالقضية السورية إلى طريق الحل بلا تمهل بدلاً من هذه الفوضى و الضياع.

بالإضافة لهذا هناك الكثير من الأمور الإنسانية و العملية التي تحتاج إلى الخبرات التقنية و الإمدادات اللوجستية و العمل الدؤوب عليها. فهناك اللاجئين السوريين في الدول المجاورة -الأردن و لبنان و تركيا- و الذين يقترب عددهم من الثلاثين ألفاً، أقل من ربعهم يعيش في مخيمات أما الباقي فعيش على رحمة الناس، حتى هؤلاء الذين في مخيمات فإن أغلبهم يعيشون بظروف صعبة جداً. حالة كثيرين داخل البلد ليس بأحسن، فهناك أكثر من مليون و نصف المليون نسمة يحتاجون إلى الطعام حسب تصريح فاليري آموس، و طبعاً هذا العدد مرشح للتصاعد. فمن سيعمل على تأمين المأوى للاجئين و الطعام للجياع، من سيطالب المؤسسات و الدول العالمية لتوفير حاجيات هؤلاء و أولائك؟ لهذا أيضاً نريد من الأمم المتحدة أن تعيين مندوباً لها خاصاً بالقضية السورية ليبني حوله فريقاً من الإختصاصيين ليتابعوا كل هذه الأمور.

أما على الصعيد الدولي فإنه مما لاشك فيه أن لا حل جيد للقضية السورية بلا إجماع دولي -بالتحديد توافق بين روسيا و الدول الغربية- على الحل، فبدون هذا الإجماع ستطول حالة الإستتنزاف التي نعيش فيها الآن و و ربما تدهورت إلى حربٍ أهلية، أو ستنتهي بسناريو مشابه للسيناريو الليبي-مع أنه مستبعد جداً- و كلا الإحتمالين سيكون كارثياً. و الحال أنه يعوق هذا الإجماع حالياً إختلافات في الرؤى بين الأطراف المعنية و ريبة كل طرف من نوايا الطرف الآخر و أيضاً قضايا عملية يلزمها تسوية لإمكانية البدء بأي حلٍ دولي للأزمة. إذاً ما هو الحل؟

عادة ما تُبنى التوافقات الدولية على أساس المفاوضات عبر تقديم التنازلات المتبادلة. ويمكن أن تكون هذه المفاوضات مباشرة و ذلك عبر حوارات جماعية أو متعددة الأطراف أو ثنائية تتم وجهاً لوجه أو عبر وسائل الإتصال التقنية. هذا تماماً ما حدث أثناء مناقشة مشروع مجلس الأمن الذي قدمته الدول الأوروبية و قوبل بنقضٍ صيني و روسي مزدوج. و الحقيقة أن فشل مشروع القرار الأوروبي كان ناجماً عن تباعد الأفكار بين الطرفين و عدم محاولة أي منهما فهم طريقة تفكيرالطرف الآخر و أيضاً بسبب شكوك كل طرف بنوايا الطرف الآخر. لهذا فإنني أرى أن العودة إلى مفاوضات مباشرة بين هذه الأطراف في الوقت الحاضر مازال محفوفاً بخطر الفشل، و بالتالي من الأفضل أن يبدأ ثانية الحوار بين روسيا و الغرب على شكل مفاوضاتٍ غير مباشرة.
هناك طرق عدة لإجراء محادثات غير مباشرة منها طريقة "القنوات الخلفية" و "دبلوماسية الطريق الثاني" و طريقة "المحادثات عن قرب" و أيضاً "الدبلوماسية المكوكية". بينما تتشابه كل هذه الطرق في أهدافها العامة من حيث تقريب وجهة نظر الأطراف المعنية و إزالة الشكوك فيما بينها، فإنها تختلف بآلية حدوثها، هكذا فإن إختيار أي طريقة من هذه الطرق يعتمد على الآلية الفضلى التي تتلائم مع القضية المراد حلها.

و الحال إنني أعتقد أن الطريقة الأفضل للقضية السورية هي طريقة الدبلوماسية المكوكية. إذ تعتمد هذه الطريقة على وجود شخصٍ وسيط  يتنقل جيئة و ذهاباً بلا تلكؤ أو تمهل بين الأطراف المعنية ليساعد على حل الخلافات المستعصية أو التي ترواح مكانها فيستمع للأطراف جميعاً بحيادية و ينقل وجهة نظر كل طرف إلى الطرف الآخر و يحاول بناء الثقة فيما بينها و أخيراً يطرح مقترحات لحل المسائل العالقة عن طريق إيجاد نقاط التقاطع أولاً و من ثم حل النقاط الخلافية رويداً رويداً. ، و هو يفعل كل هذا بعيداً عن وسائط الإعلام و التصريحات العلنية. فالبرغم من أن الموقف الروسي يتغير و يلين و لكن تغيره بطئ، و يلزمه من يدفعه إلى الأمام -إذ يموت على الأقل كل يوم 60 مواطن سوري- فالروس أصبحوا مقتنعين أن نظام الأسد غير قابل للحياة، و لكنهم يؤخرون نهايته حتى يحصلون على تعهدات بأنه سوف يتم مراعاة مصالحهم و خصوصاً العسكرية من قبل الدول الغربية، لهذا هي عملياً تريد أن تشارك بأي وجود ذي طابعٍ عسكري في سوريا، و هي بعثت برسائل إلى الغرب - على حد قول الأدميرال فيكتور كرافتشينكو- مفادها "إن وجود قوى أخرى غير الناتو سيكون مفيداً للمنطقة لأنه يمنع إندلاع أي نزاع مسلح"، و لكننا لا نعرف ما هو رد الدول الغربية عليه، إذ منذ أن حصل التدخل الغربي في كوسفو في عام 1999 و الناتو إنفرادي النزعة في عملياته. فهل سيتركوننا ننتظر كثيراً و نحن نعدّ قتلانا؟!

أخيرا أود أن ألفت الإنتباه إلى أن مشروع قرار مجلس الأمن الأخير الذي إقترحته الدول الأوروبية و إعترضت عليه روسيا او الصين في شهر تشرين أول الماضي تضمن بنداً يطلب من الأمين العام أن يعيّن في الوقت المناسب ممثلاً خاصاً بالقضية السورية بالتنسيق مع مجلس الأمن. و الحال أن هذا كان تعديلاً أدخلته روسيا على المشروع الأوروبي. لذلك فإنني أظن أن البدء به سيطمئن الروس و سيجعلهم يشعرون أنهم يشاركون بإيجاد الحلول و بالتالي  مرتاحين للتعامل مع أي حل يأتي من خلال هذا المبعوث.

لهذا كله نريد مندوباً تعيينه الأمم المتحدة يعمل على مختلف القضايا الإنسانية و السياسية المتعلقة بالقضية السورية.

الخميس، 8 ديسمبر 2011

عدم النضج النفسي كأصلٍ للشر -دراسة سريرية لحالة بشار الأسد



في معرض ردي على المبادرة الوطنية للتغيير السلمي في سوريا -و التي ارتكزت على الإعتقاد أن بشار سيستقيل حالاً بعد بدأ المظاهرات-  بيّنت للموقعين عليها أن بشار لن يستقيل بسهولة، و أن الحرب مع النظام ستدوم أشهراً عدة. إعتمدت في حكمي هذا على معرفتي بشخصية بشار التي تتميز بشكل أساسي بعدم نضجها. و السؤال الذي ربما سيطرحه الكثيرون هو كيف يمكن أن يقود عدم النضج النفسي إنساناً ليفقد ضميره، فيقترف جرائماً بشعة مدمراً نفسه و آخرين كثر من حوله.

واحدة من أهم خصائص الناس الناضجين هي أنهم يستطيعون إدراك الحقائق الإجتماعية المعقدة و التعامل معها. هذا التعقيد ينجم بشكل رئيس عن عمق النفس الإنسانية و تعقد العلاقات الإجتماعية. هكذا فإن الأشخاص الناضجين يستطيعون إدراك و تحقيق حاجاتهم النفسية الحقيقية و التي هي ضرورية لهم لينموا ويزدهروا، و أيضاً يمكنهم فهم و تأمين حاجات الآخرين الحقة و التي هي مهمة لتحقيق ذواتهم.

بالإضافة لذلك فإن الأشخاص الناضجين يتميزون بفهم جيد للعلاقات الإنسانية، لهذا فهم يستطيعون قيادة حوادث الحياة إلى حصيلتها الفضلى لهم و للأشخاص الذين حولهم. هكذا يتعلمون الحزم و يكتسبون الثقة بالنفس. و الحال أننا كأناس نكتسب هذه الملكات في مختبر الحياة إبتداءً من اليوم الأول فيها، لهذا إذا لم يتوفر لنا أن نعيش حياة مفعمة الحيوية و النشاط و غنية بالخبرات التي نتعلم منها الكثير فإننا لا نستطيع إكتساب هذه القدرات. و الحق أن هذه الملكات تشكل المكونات الأساسية للضمير عندنا، لهذا فإنها تمكننا تفريق الأعمال الخيرة من الأعمال الشريرة أو بكلامات أخرى تمكننا إدراك الخير و الشر. لهذا يمكنني القول أن الناس الناضجين نفسياً يتمتعون بضمير صاحٍ، بينما الناس غير الناضجين يفتقدون لهذه الملكة الثمينة.

عرفت بشار أثناء دراستي للطب، في ذلك الحين بدا لطيفاً و متواضعاً، كما أنه بدا سعيداً أو بالأحرى كان معتاداً على المزاح طول الوقت. هذه العريكة منحت الناس من حوله إحساساً بالراحة، و ذلك لأنهم كانوا في حضرة ابن الرئيس، و مع ذلك لم يكن عليهم أن يكونوا رسميين. و لكنني الآن عندما أعيد النظر في سلوكه هذا بعقل متسائل، فإنه يمكنني رؤية العلامات الأولى لعدم نضجه. في الحقيقة كانت علاقاته بالناس من حوله سطحية، كان محاطاً بكثير من الأشخاص، ولكن لم يكن أي منهم صديقاً حقيقياً، بالرغم من أنه كان بحاجة لعلاقات حقيقية ليكتشف من خلالها نفسه و العالم من حوله، أو بتعبير آخر لتنمو شخصيته و تنضج. بالإضافة لهذا فإن مزاحه كان في الواقع شئ من الهزل السطحي أكثر منه مزاحاً ينبع من مواقف حياتية حقيقية أو يعكس ذكاء و فطنة. لهذا كله فإنني أقول بلا تردد أن بشار كان منفصلاً عن حقيقة ذاته و العالم من حوله، و كانت شخصيته الدمثة المرحة مجرد هروب من العالم الحقيقي.

لقد صغت تحليلي لشخصية بشار من الأفكار التي بنيتها عنه من خلال دراستي لمسيرة رئاسته، و أيضاً عبر ربطها بذكرياتي القديمة عنه. و حيث أنني تكلمت آنفاً على نحوٍ كافٍ عن هذه الذكريات القديمة دعونني الآن أتحدث عن رئاسته. إبتداء بشار رئاسته بخطاب بداية العهد الشهير، و في ذلك الخطاب وعد بالكثير من الإصلاحات، و لكنه أتى بعد عشر سنوات ليقول أنه لم يكن قادراً على إنجاز أي منها بسبب الصعوبات القاهرة التي واجهها في أثناء حكمه، و لكن إذا مانظرنا جيداً فإننا نجد أن هذا التعليل عارٍ عن الصحة، إذ إن جذور حكمه المريض إبتدأت في السنوات الخمس الأولى من رئاسته و التي تمتع فيها بالكثير من التشجيع من المجتمع الدولي و الدعم من الشعب السوري. و الحق أنه لم يكن قادراً على القيام بهذه الإصلاحات بسبب عطب شخصيته المفعمة بالتردد و الممتلئة بالإحساس بالعجز.

شئ آخر حدث في وقت مبكر من رئاسة بشار هو ربيع دمشق، و لكن عندما سمح بشار للمنتديات الفكرية بالبدء يبدو أنه  لم يقدّر على نحو صائب حاجة الشعب لحرية التعبير والتبادل الفكري، و لم يستوعب تأثير عقود عدة من قمع حرية التعبير، كما أنه لم يدرك أنه والناس الذين من حوله يفتقرون إلى الفطنة الفكرية التي تسمح لهم بمواكبة الأفكار التي قد تنشأ عن هذه المحافل، هكذا إعتقد انه كمثل رجل كبير يقدّم الحلوى إلى أطفالٍ صغارٍ، وبالتالي يجب أن يكونوا سعداء وشاكرين. و لكن عندما إنتشرت هذه المنتديات مثل الفطر و لم يستطع "كلاب النظام المسعورة" مواكبة الأفكار الناشئة عن هذه المحافل، أغلق بشار هذه المنتديات على نحو مفاجئ و وضع بعض المشاركين فيها في السجن، عندئذ  لم يخلق فقط خيبة أمل بين المثقفين السوريين ولكن أيضا ألماً و مرارةً.

خطأ آخر فادح إقترفه بشار في وقت مبكر من رئاسته و كان الخلط بين أمور الدولة و أمور العائلة، و مثال كبير الدلالة على هذا الخلط كان منحه رخصة شركة الهاتف المحمول حصرياً لابن خاله (رامي مخلوف) مثيراً بهذا حفيظة طبقة رجال الأعمال الدمشقية التقليدية،  و ذلك بكسره الاتفاق المضمر الذي عقده حافظ الأسد معهم، و الذي كان يضمن بأن تتخلى هذه الطبقة عن أي مطالبة السلطة في مقابل الحصول على الأمن وحرية ممارسة الأعمال التجارية. إنتهى كل هذا بوضع رياض سيف في السجن بتهم كاذبة، و هكذا أثار الألم والمرارة بين أفراد هذه الطبقة أيضاً.

و الحال فإن جميع الأمثلة المذكورة أعلاه تعكس عدم قدرة بشار الأسد على فهم الحقائق الإجتماعية المعقدة والتعامل معها. غير أن المثال الذي الأكثر إثارة للصدمة و الأكثر فظاعة من بين مشاعره السلبية و إنقطاعه الكلي عن الواقع كان أول خطاب له بعد بدء الانتفاضة. خلال هذا الخطاب كان بشار مبتسما طوال الوقت، بينما الناس تموت في الشوارع، كانت هذه الابتسامة مؤشراً على أن  بشار فقد كل شكل من أشكال الضمير. بالإضافة لذلك ذكرتني تلك الإبتسامة بابتسامته الساذجة غير الناضجة عندما كان يافعاً، و كيف تحولت إلى ابتسامة بلهاء و شريرة عندما تقدم بالسن، مما أوحى لي أن عدمَ النضج يولّد الشرَ.

و الحق أن شخصية بشار المذكورة أعلاه تبيّن كيف أن الظروف المعقدة كرئاسة الجمهورية مثلاً يمكن ان تحطم التوازن النفسي للأناس الساذجين الغير ناضجين، فيتحولون من أناس تبدو عليهم سيمة اللطافة و التواضع إلى حكام ظالمين بلا رحمة أو إحساس فيرتكبون جرائم فظيعة مدّمرين حيوات أشخاصٍ كثيرين من حولهم. بالإضافة لذلك فإن هذا يجعلنا نتساءل عن حكمة الأب -حافظ الأسد- الذي بمتمنيه أن يكون خالداً -و بالرغم من النصائح التي قدمت له لعدم القيام بذلك- ورّثَ العرش لابنه الغير مؤهل صاباً عليه اللعنة.

الخميس، 1 ديسمبر 2011

معضلة التدخل الخارجي

لا شك أن الأزمة السورية وصلت إلى مفترقٍ خطير، و أصبح التدخل الدولي لأسباب إنسانية حاجة ماسة لأن لا حلَّ من دونه، و المهم أيضاً أنه إبتدأ يتشكل نوع من الإجماع حول ضرورة هذا التدخل بالأخص على الصعيدين العربي و الدولي -و إن بدرجات و رؤىً مختلفة- و بشكلٍ أساسي بعد فشل المبادرة العربية و تعنت النظام السوري الرافض حتى لدخول المراقبين.

و السؤالان المهمان اللذان يطرحان نفسيهما الآن هما: أولاً "ما هي طبيعة التدخل الخارجي الذي سيؤدي لحل القضية السورية بأقل الخسائر البشرية و المادية الممكنة و الذي سيؤدي لإستقرار الوضع في سوريا بأقصى سرعة ممكنة؟" و ثانياً "هل ستلقى هذه الصيغة قبولاً دولياً و خصوصاً من الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن؟". و الحال أن الجواب على السؤال الأول لن يكون سهلاً إذ إن له جوانب تقنية وقانونية و أخلاقية و سياسية عدة، و لا أظن أن أحداً يمتلك جواباً شافياً له في الوقت الحالي. ثمّ إن هناك ترابطاً وثيقاً بين إيجاد الصيغة الفضلى للتدخل و الإجماع الدولي عليه . فبدون الوصول إلى صيغة تراعي جوانبه المتعددة و بالأخص السياسية منها سيكون من الصعب الحصول على الإجماع الدولي و بالتالي تمرير أي قرار عبر مجلس الأمن بهذا الخصوص.

فمن الناحية التقنية هناك أسئلة كثيرة يجب الإجابة عليها، ليس أقلها صعوبة الوجود العسكري الروسي في سوريا، فإذا كان الروس يستطيعون سحب خبرائهم إذا أرادوا- مع أنه لن يكون بالموضوع السهل جداً -فماذا يفعلون بقاعدتهم البحرية في طرطوس؟ هل يمكن إيجاد طريقة للتدخل الخارجي في سوريا بشكل يتلاءم مع وجود هذه القاعدة و من دون المساس بها؟ و ماذا عن الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها النظام هل سيستخدمها إذا ما إنضغط كثيراً؟ هل سيعطي بعضاً منها إلى أعوانه كحزب الله؟ هل يستطيع الروس ضمان عدم حصول هذا؟ موضوع آخر مهم هو موضوع اللاجئين فأي تدخل سيزيد من تدفق اللاجئين إلى الدول المجاورة، فهل ستستطيع هذه الدول إستقبالهم؟  و كيف سيتم تأمين الأمور اللوجستية لهم؟

أما من الناحيتين الأخلاقية و القانونية فما زال هناك تباين في أراء الخبراء و خلافات بين الدول في الشرق و الغرب حول شرعية التدخل في شؤون دولة أخرى لدواعٍ إنسانية في حال عدم قبول سلطة تلك الدولة بهذا التدخل- حتى لو كانت هذه السلطة عاملاً مسبباً للأزمات و لإستمرارها. فبينما ينظر الغربيون على أن السلطة تفقد شرعيتها من اللحظة التي لم تعد فيه قادرة على تأمين الأمان لشعبها و بالتالي عليها الرحيل، فكيف إذا كانت هي السبب في فقدان هذا الأمان، يرى الشرقيون أن المشكلة بين السلطة و الشعب هي أمر داخلي بكل بلد و يجب على المساعي الحميدة عدم توفير أي جهدٍ للمصالحة بين الطرفين، بالإضافة لذلك يرى هؤلاء الأخيرون أن إستخدام القوة يعقّد الموضوع أكثر مما يحله، و إذا أستخدمت هذه القوة فينبغي عدم الإفراط بها إذ إن هذا الإفراط سيؤدي لمزيدٍ من الخسائر البشرية و المادية.  فهل يا ترى يمكن المقاربة بين الموقفين في الموضوع السوري و إيجاد حلٍ يأخذ بعين الإعتبار هذه التيارات و الحساسيات المختلفة و خصوصاً إذا كانت تتباناها الدول الأعضاء في مجلس الأمن و بالتحديد الدائمة منها؟ فوق ذلك فإن كل طرف ينظر بعين الشك إلى حجة الطرف الآخر فبينما يرى الشرقيون أن ميل الغربيين للتدخل هو بالحقيقة ليس لدوافع إنسانية و لغيرتهم على الشعوب المتألمة بل لرغبتهم بالسيطرة و فرض قيمهم الأخلاقية على المجتمعات الأخرى و تغيير الأنظمة على هواهم، يرى الغربيون أن الشرقيين يحاولون المحافظة على مصالحهم الإقتصادية و الإستراتيجية عبر محافظتهم على الوضع الراهن غير آبهين بمصائر الشعوب و تطلعاتها. فهل يا ترى هذه الشكوك محقةو بالأخص فيما يتعلق بالأطراف المعنية بالقضية السورية، و إن لم تكن كذلك فهل من الممكن إزالة هذه الظنون الواهية و الريبة التي لا أساس لها؟

أما فيما يتعلق بالناحية السياسية فإن سوريا كانت و مازالت مسرح صراعٍ دولي كبير و ذلك لأسباب إجتماعية و ثقافية و إقتصادية و جيوسياسة متنوعة. و الحال أن هذا يجب ألا يكون مدعاة للخوف أو الإشمئزاز بل مدعاة للفخر لنا نحن السوريين، و لكن و قبل كل ذلك يجب أن يدعونا للصحوة لكي نستغله لصالحنا،لا لنصبح مطية لجشع الآخرين.  فهل يمكن إيجاد حلٍ للقضية السورية يراعي مختلف المصالح و الحساسيات الدولية و قبل كل ذلك يحقق مصالح الشعب السوري  من حيث رغبته بالحرية و أيضاً أمنيته بإبعاد شبح الدمار الآني عن بلاده و السيطرة البعيدة المدى على مقدراته؟ بالإضافة لذلك هناك اللاعبون الإقليميون الذين لن يقبلوا برحيل حليفهم بسهولة، فهل هناك من طريقة لضبط ردّ فعل هؤلاء؟

لا شك أن للشرق و الغرب مواقف متباينة حيال العديد من القضايا التي طرحناها آنفاً. و الحال أن تردد الموقف الروسي حيال التدخل الخارجي في سوريا لم يعد كما كان ناجماً عن إعتقاد روسيا بإمكانية إصلاح النظام و إنقاظه، بل عن خوفها من أن أي حل مبنيٍ على أساس التدخل الغربي قد لا يوافق رؤاها و مصالحها في واحدةٍ و أكثر من المسائل المذكورة أعلاه. و لكن قد يتساءل بعضنا "هل نحن إذاً عالقون في معضلة تدعو لليأس؟" و الجواب سيكون "لا، إذا ما وجدنا الشخص المناسب"، فالمتمرسون بأمور السياسة الخارجية يعرفون أنه من الممكن تصميم -أو بالأحرى تفصيل -حلٍ مناسب لكل قضية يرضي على نحوٍ معقول كل الأطراف المعنية، و لكن ما نحتاجه أولاً و قبل كل شئ هو المهندس الذكي الذي بإمكانه إبداع هذا التصميم و تقديمه بطريقةٍ مقبولةٍ للجميع.