الخميس، 24 نوفمبر 2011

دلالات إدانة اللجنة الثالثة للنظام الأسدي



بالرغم من أن إدانة لجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة للقضايا الإجتماعية و الثقافية و الإنسانية  (أو ما يُسمى باللجنة الثالثة) هو رمزي القيمة، إذ إنه لا يحمل أي عقوبات و ليس له طابع إلزامي، فإن له دلالات معنوية و عملية جمّة.

أولاً إن هذا القرار يضيف النظام السوري لقائمة عارٍ كانت مكونة من ثلاث دول مُدانة من قبل هذه اللجنة و تضم إيران و كوريا الشمالية و بورما. و الحال أن هذا القرار يضع النظام السوري في قمة هذه القائمة، إذ جاءت إدانته لتكون الأشد من بين كل الإدانات، فبينما أدينت إيران عام 2007 بأغلبية 62 صوتاً مع القرار مقابل   50 ضده و إمتناع 55 عن التصويت، و أُدينت بورما عام 2009 بأغلبية 92 صوت مع القرار مقابل 26 ضده و إمتناع  56 عن التصويت، و جاءت إدانة كوريا الشمالية بأغلبية 97 صوتاً مع القرار مقابل 19 ضده و إمتناع 65 عن التصويت، فإن إدانة النظام الأسدي جاءت بأغلبية 122 صوت مع القرار مقابل 13 ضده و إمتناع 41 عن التصويت. كل هذا ليدل على عمق عزلة النظام السوري عن المجتمع الدولي و على فداحة سخط هذا المجتمع عليه و أيضاً على مقدار التأييد العالمي للثورة السورية.

و أيضاً جاءت قائمة الإتهامات الموجهة للنظام السوري لتكون الأقسى و لتتضمن التعديات الأكثر شناعة، فبينما أدينت إيران من أجل تعذيب المعتقلين، و أدينت كوريا الشمالية من أجل تضييقها على الحريات الفردية، و أدينت بورما من أجل الحكم التعسفي على الناشطة السياسية أونج سان سو كيي و وضعها مرة أخرى رهن الإقامة الجبرية ، جاء القرار الأممي ضد سوري ليتضمن  إتهامات أكثر عدداً و أفظع شناعة. هكذا أدان هذا القرار بشدة إنتهاكات السلطات السورية الخطيرة و المنهجية لحقوق الإنسان و التي تتضمن الإحتجاز ﺍﻟﺘﻌﺴﻔﻲ و الإخفاء القسري و أيضاً سوء معاملة و تعذيب و تنكيل المحتجزين و من بينهم أطفالٌ و ختمها بإستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين و المدافعين عن حقوق الإنسان و قتلهم ، و بهذا و ضع القرار النظام السوري في قمة الأنظمة الإجرمية.

و لكن برأيي أن الأمر الذي يحمل في طياته دلالات عملية جديرة بالإنتباه كان إمتناع كل من روسيا و الصين عن التصويت، و كلتا الدولتين كانتا قد إستخدمتا حق النقض لمنع صدور قرارٍ يدين النظام السوري في مجلس الأمن في الشهر الماضي . و بما أن الموقف الموقف الصيني من القضية السورية هو لاحق بالموقف الروسي و يتغير بتغيره، لذلك سأركز على هذا الأخير. حاولت روسيا في الأشهر الثمانية الماضية حماية "الحليف" السوري من "تدخلٍ" غربي و أستخدمت لهذا حجة لا أظنها كانت مقتنعة بها هي نفسها و هي أن الحكومة السورية تقاتل عصابات مسلحة و ليس مظاهرات سلمية، و لهذا عندما نقضت في مجلس الأمن الشهر الماضي المشروع الأوروبي الرامي لإدانة النظام كانت واحدة من حججها أن المشروع لا يدين عنف المعارضة أيضاً، و كأنها بهذه الحجة تساوي بين عنف المعارضة و عنف النظام. غير أن إمتناعها عن التصويت أول البارحة جاء ليدل على أن روسيا إبتدأت تغير خطابها المعلن،  و أنها أبتدأت تقبل فكرة الضغط على النظام السوري. فإمتناع الدول عن التصويت في مثل هذه الحالات لا يعبر عن رفضها لفحوى للقرار بقدر ما يعبر عن تحفظها على الأمور الإجرائية المتعلقة بآلية إتخاذه. أي بكلامٍ أخر إذ أن روسيا ترى أن المكان الأنسب لإدانة إنتهاكات حقوق الإنسان هو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة و الذي مركزه جنيف، فإنها توافق على أن النظام السوري إقترف الجرائم المنصوصة عليها في نص القرار و تقبل بإدانته على نحو إستثنائي من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. لا شك أن هذا يعتبر تطوراً ملحوظاً في الموقف المعلن للإدارة الروسية و أنها أبتدأت تقبل فكرة الضغط على النظام السوري و  فرض عقوباتٍ عليه.

طبعاً لم يكن هذا التغير مفاجئاً للعارفين بخفايا السياسة الدولية خصوصاً بعد إدانة جامعة الدول العربية للنظام السوري و الزيارة الناجحة التي قام بها وفد المجلس للوطني إلى موسكو و أيضاً  تصريحات بوتين الأسبوع الماضي أثناء مؤتمره الصحفي الذي عقده في باريس بعد لقائه مع رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون. إذ بعد سؤال طُرح إليه عن أسباب إعتراض روسيا على قرار من مجلس الأمن بخصوص سوريا أجاب "روسيا على تمام المعرفة بأن الآليات السياسية التي كانت تستخدم منذ  40سنة لم تعد صالحة الآن. هذا صحيح في كل البلدان بما فيها سوريا. ما أرجوه أن تفهم القيادة السورية ذلك، و تستنتج منه الإستنتاجات الملائمة." ثم تابع يقول: "نحن نعلم أن شركاءنا الأوربيون (فرنسا و بريطانيا و ألمانيا)  قد أحالوا مشروع قرار للأمم المتحدة. و الحق أن أصدقاءنا الأوربيون فعلوا ما فعله محمود عباس ليكتسب الإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، إنهم إتبعوا نفس الطريق، قد يكون ذلك أمرا جيدا ليوفر المرء الدعم لموقفه. سنتابع هناك التطورات اللاحقة بعناية، و سنستمع إلى ما لدى أصدقائنا ليقولوه، و سنحافظ على الحوار مع الجميع."

 إذاً إن كل هذا يدعوننا إلى الإعتقاد أنه حان أوان عودة القضية السورية إلى أروقة مجلس الأمن مرة أخرى و أن روسيا هذه المرة لن  تعطل أي قراراً من مجلس الأمن لا يفتح المجال بإستخدام القوة بتهور ضد سوريا. هذا ما أوحى به بوتين نفسه الإسبوع بقوله : "نحن على استعداد للتعاون مع المجتمع العالمي، وسوف نفعل ذلك. لكننا ندعو لضبط النفس والتعقل. هذا هو ما يتمحور موقفنا حوله. أي أننا لن نتهرب من التعاون مع شركائنا أو نتجاهل آراءهم، بل سنواصل العمل معا."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق