الاثنين، 10 سبتمبر 2012

عوائق نجاح مؤتمرات المعارضة السورية

بتاريخ 4 أيار من هذه السنة و قبل اجتماع المعارضة الذي كان مزمعاً عقده في مقر الجامعة العربية في منتصف أيار كتبت إلى بعض أعضاء اللجنة السياسية في المنبر الديمقراطي السوري قائلاً:

السادة الأعضاء:

إنني أخشى أن ينتهي اجتماع القاهرة بالفشل كما انتهت سابقاته. إذ لا أعرف ما يجري من تحضيرات لهذا الغرض، فلانجاح أي مؤتمر للمعارضة السورية يلزم الكثير من التحضير، و هذه التحضيرات يجب أن تتم على صعيد الأشخاص أولاً.

القضية السورية معقدة من الناحية الموضوعية لأسباب كلنا نعرفها، و لكن ما يجعلها شديدة المناعة لأي حل هو العوامل الشخصية، إن كان على صعيد شخصيات المعارضة ذاتها أو صعيد اللاعبين العالميين. و الحال أن انعدام الثقة بين شخصيات المعارضة كان العامل الأكبر في نشوء عدم الثقة بين اللاعبين الدوليين. فهناك نقص الفهم المتبادل و التفهم، و هناك نقص الثقة و الشك و الريبة، كل هذه عوامل مهمة لأنها تؤثر سلباً على المعارضة و الثورة و موقف المجتمع الدولي من هذه الثورة، و لكن للأسف لم يصرف أي أحد أي جهد لازالة هذه العوائق، بل بالأحرى كثيرون يعملون على تثبيتها و تقويتها عن قصد أو غير قصد.

إنني شخصياً أعتبر أن حل هذه المعضلة هو البداية لتنظيم أمور المعارضة و التي من غيرها لن ينجح أي مؤتمر للمعارضة. لقد أدركت ذلك مبكراً -منذ الأشهر الأولى للثورة- من خلال خبرتي مع المعارضين في الشمال الأمريكي، فكلما كنت أحدثهم عن ضرورة التقارب مع الدكتور برهان غليون لأنهم يشكل لهم مفتاح اليسار و الداخل السوريين، كانوا يتهربون -ليس فقط من التحدث مع الدكتور برهان، بل أيضا مني- و يلجؤون لعقد إجتماعات يجتمع بها كل من هب و دب، و نعرف كيف إنتهت الأمور، أخذوا - مع أصدقائهم- الأستاذ برهان من اليسار و الداخل، و لم يتقربوا لا من اليسار و لا من الداخل، بل جعلوا الإستاذ برهان حجر عثرة أمام هذا التقارب. لهذا كنت قد كتبت -بشكل غير مباشر- للأستاذ برهان عن موضوع الشك و الريبة بين مختلف شخصيات المعارضة في شهر تموز الماضي. و لكنه لم يفهم علي في ذلك الوقت، فأجابني بما هو معناه "ما هذا الكلام؟!"، و للأسف هو الآن أدخل نفسه في لعبة الشك و الريبة هذه، لا بل أصبح عاملاً أساسياً فيها. أضع لكم رابطي النص الذي كتبته له في شهر تموز الماضي بالفرنسية و الإنكليزية، إذ إنني كتبته بالأصل بالفرنسية، ثم ترجمته للإنكليزية.
http://haytham-khoury.blogspot.ca/2011/07/lopposition-syrienne-de-labsurdite-au.html
http://haytham-khoury2.blogspot.ca/2011/07/syrian-opposition-from-absurdity-to.html

مازلت أعتقد أن العامل الشخصي و النفسي هو عائق مهم لتجتمع المعارضة حول مشروع واحد و فكر واحد، و هو أيضاً منبع لتعقيد القضية السورية على الصعيدين العربي و الدولي، إذ نقلت أطراف المعارضة هذه الشكوك إلى حلفائهم الإقليميين و العالميين.

النقطة الثانية التي ستقف عائقاً أمام نجاح مؤتمر القاهرة ستكون "اعتبار المجلس لنفسه أنه الممثل الشرعي و الوحيد للشعب السوري". بحسب زعم المجلس فإنه سعى إلى هذه الصفة لينزع الشرعية الدولية عن نظام الأسد، و هو لجأ إلى ذلك مستحضراً النموذج الليبي، على أمل أن يؤدي ذلك إلى التدخل العسكري الغربي في سوريا. و لكن ما غفل عنه المجلس أن الغرب لا يتدخل وفق أي أجندة غير أجندته، و هو ينزع الشرعية عمن يشاء في الوقت الذي يشاء، و يتدخل في الوقت الذي يشاء. هكذا مانع الغرب طلب المجلس في البداية لعلمه و قناعته أن النتائج العكسية لذلك هي أكثر من فوائده، و لكن تحت الحاح المجلس أعطاه لقب "ممثلاً شرعياً" للشعب السوري و ليس "الممثل الشرعي". المشكلة هي أن طلب المجلس هذا أبعده أكثر فأكثر عن الشعب السوري الذي كان يرغب أن يحافظ المجلس على الشرعية الشعبية التي أعطاه إياها في شهر تشرين أول الماضي، لا أن يصبح السعي للشرعية الدولية هاجسه الوحيد. أيضاً أيضاً خلق سعي المجلس هذا مزيداَ من الشك بين المجلس و بقية شخصيات و فصائل المعارضة التي رأت أنه موجه ضدها، و هي محقة عملياً في ذلك، و ربما فعل المجلس ذلك عن قصد أو عن غير قصد. هكذا إنتهى المجلس مع ادعاء لا يوافق واقعه، أبو بالأحرى مع كذبة صدقها هو أولاً و يريد لكل المعارضة و كل المجتمع الدولي أن يصدقوها. و لكن المشكلة الأكبر هي أن هذه الكذبة أصبحت تشكل عائقاً أمام التقاء المجلس مع بقية فرق المعارضة و الجلوس معها على طاولة واحدة و التنسيق معها، مما إنعكس سلباً على الواقع السياسي و الميداني للثورة.

النقطة الثالثة التي ستقف عائقاً أمام اجتماع القاهرة هي عدم ادراك بعض فصائل المعارضة لعلاقة الأخلاق بالسياسة. أرسطو في كتابه "السياسة" ركز أن السياسة يجب أن تكون أخلاقية في غاياتها و وسائلها، و لكن اليونان فرقوا بين نوعين من أنواع الأخلاق، الأول (Morality) و الثاني (Ethics)، فبينما يقوم الأول على تحديد ما هو مسموح و ما هو ممنوع، أي بين ما هو مقدس و ما هو رجس، فإن الثاني يضع أن الغاية من أي فعل إنساني هي خير الإنسان عينه، و يجب أن يتعامل الإنسان مع ظروف الحياة المتغيرة من هذا المنطلق. لا شك أن الطريق الأول للأخلاق سهل في ظاهره، و لكنه بالحقيقة مخيب في نتائجه، أما الطريق الثاني فهو صعب في آليته، و لكن يأتي بأفضل النتائج الممكنة. و لكن إذا ما حاولنا أن ننظر إلى فصائل المعارضة السورية و أي المناهج الأخلاقية تتبع، لوجدنا أن "هيئة التنسيق" بجمودها في لاءاتها الثلاث و أيضاً "تيار بناء الدولة" برفضه التوقيع على بيان البحر الميت يتبعان النظرة الأولى في الأخلاق، بينما يتبع المجلس الوطني عموماً النظرة الثانية و لكن وفق نظرة قاصرة تهمل تعقد الواقع، و تتغاضى عن أخلاقية الوسائل في بعض الأوقات، هكذا تبتعد أفعاله عن الأخلاق في بعض الأحيان. إن هذا الخلاف في المنظور للأخلاق السياسية يقف عائقاً أمام تبني المعارضة لإستراتيجية واحدة لاسقاط النظام، و بالتالي يؤخر هذا الاسقاط و تمنع الإبتداء بالإتفاق على صورة سوريا الجديدة.و الأخطر من هذا أنه بدلاً من أن يتفهم كل طرف طريقة تفكير الطرف الآخر، فإن كل طرف يعير الطرف الآخر على طريقة تفكيره، و يزاود عليه في الوطنية.

هكذا ستقف أمام اتفاق المعارضة على رؤية واحدة لاسقاط النظام عوائق متعددة بعضها شخصية و أخرى عملية و ثالثة فكرية. إن ادراك فصائل المعارضة لهذه العوائق و رغبتها الجادة للتخفيف من نتائجها هي السبيل الوحيد لانجاح أي مؤتمر من مؤتمرات المعارضة.

هنا انتهت رسالتي، و كان معي حق فيها، فاجتماع القاهرة ذاك فشل قبل انعقاده، إذ إعتذرت عن حضوره عدة فصائل من المعارضة لأسباب من النوع الشخصي التي ذكرت في رسالتي تلك. في المحاولة المطروحة هذا الشهر للم شمل المعارضة السورية حول رؤية واحدة، إرتأت اللجنة المنظمة هذه المرة أن تعقد اجتماعاً تمهيدياً غير رسمي اليوم في استنبول أولاً، قبل عقد الرسمي في القاهرة آخر الشهر. لا شك أن هذا حسن، لربما سمح هذا الاجتماع التمهيدي الاستشاري غير الرسمي بخلق جو من الثقة بين أطراف المعارضة دون أن يكون هناك ضغط للوصول لاتفاق نهائي، و لربما أيضاً فتح الباب أمام فصائل المعارضة لمزيد من المشاورات قبل عقد الاجتماع الرسمي في القاهرة بعد اسبوعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق